أحكام التلاوة والتجويد
أحكام التلاوة والتجويد
دروس في تجويد القرآن ج1
الدرس الأول
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، الحمد لله على محامده كلها التي لا تعد ولا تحصى أبداً، الحمد لله الذي اختار من عباده حملة كتابه، وأوجب عليهم ترتيله والعمل بما فيه، ودفعهم للمداومة على قراءته وإقرائه ووعدهم على ذلك أحسن ثوابه، والصلاة والسلام على من أنزل عليه القرآن محمّد ابن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله صفوة عباد الرحمان.
يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [سورة الفرقان، الآية 30].
إنَّها الشكوى الأليمة التي يبثّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة... شكوى مفعمة بالأسى والحزن والحسرات يبثها صاحب القلب الكبير، في ذلك اليوم الرهيب، الذي تخشع فيه الأصوات، وتشخص الأبصار، فلا تسمع إلا همساً!!
وإنّنا إذا تدبّرنا مظاهر الهجر القرآني في المجتمع الإسلامي عموماً، وفي الوسط الإيماني خصوصاً، لرأينا أنهَّا واضحة وجلية... من أهمّها: هجر التدبّر، هجر الاستماع هجر الحفظ، هجر القراءة والتلاوة... وهو من أكثرها أهمية وحاجة، بالنسبة للمؤمن.
فلو سألنا أنفسنا كم من الآيات نقرأ كل يوم، وكم من السور نتلوا ونرتّل... لوجد الكثير منّا أنّه لم يفكّر أن يرسم جدولاً يومياً لنفسه لقراءة القرآن وترتيله... والله سبحانه يقول: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرآنِ﴾ [سورة المزمل، الآية 20]، فلا عذر لأحدٍ بعد كل هذا!
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد"، قيل يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "قراءة القرآن" [جامع أحاديث الشيعة، ج14، ص62].
وعن الإمام علي عليه السلام: "من أنس بتلاوة القرآن لم توحشه مفارقة الإخوان" [عيون الحكم والمواعظ، ص427].
إنَّ من أهم سمات القراءة الواعية هي: الحزن والهم.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ القرآن نزل بالحزن فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا" [مستدرك الوسائل، ج4، ص270].
وعن الإمام علي عليه السلام يصف قراءة المتقين: "أمّا الليل فصافّون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتّلونه ترتيلاً يحزّنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم. فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً وتطلّعت نفوسهم إليها شوقاً وظنّوا أنها نصب أعينهم، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في أصول آذانهم" [نهج البلاغة، خطب الإمام علي، ص304]
ولهذا لا بدّ للمسلم من المحافظة على برنامج ثابت في قراءة القرآن الكريم وتلاوته، ومن العمل على تحسين تلاوته وضبط قواعد التجويد والتلاوة، لما في ذلك من أثر إيجابي على القارئ نفسه، وعلى المستمعين إلى تلاوته.
وهذا الكتاب: دروس في تجويد القرآن الكريم المستوى الثاني من المتون المخصّصة لتعلّم قواعد تجويد القرآن والتدرّب على تطبيقها تمهيداً لاكتسابها، والوصول إلى درجة جيّدة من التلاوة الصحيحة.
والحمد لله رب العالمين
مركز نون للتأليف والترجمة
الدرس الأول
التّجويد تعريفه، غايته، فائدته
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرِّف علم التجويد.
2- يميّز غاية علم التجويد وفائدته في قراءة القرآن الكريم.
3- يعدّد السرعات التي تتم تلاوة القرآن الكريم بها ويطّبقها.
التجويد
التجويد لغةً: هو مصدر من جوّد تجويداً، والاسم منه الجودة، وهو الإتيان بالجيّدّ أو التّحسين، يُقال: هذا شيء جيّد، أي حسن، وجوّدت الشيء: أي حسّنته، ويُقال: جاد الشيء جَودة وجُودة، أي صار جيّداً، والجود: بذل المقتنيات مالاً كان أو علماً.
والتجويد اصطلاحاً: تلاوة القرآن الكريم بصورة ضابطة، وذلك بإعطاء كل حرف حقّه من المخرج والصفات اللازمة له من همس وجهر وشدّة ورخاوة وغيرها، وإعطاء كلّ حرف ما يستحقّه من المدّ والتفخيم والترقيق والإدغام والإظهار وغير ذلك.
غاية علم التجويد وفائدته
معرفة النطق السليم وإتقان ألفاظ القرآن الكريم، وصون اللسان عن اللحن فيه.
اللحن لغةً: الميل عن الصواب.
واصطلاحاً: الخطأ في تلاوة القرآن الكريم.
ويُقسم إلى قسمين:
- اللحن الجلي.
- اللحن الخفي.
اللحن الجليُّ: هو خطأ يعرضُ للفظ فيُخِلُّ بالمعنى بالإعراب، نحو: (الحمد للهِ ربُّ العالمين)، (ألهاكم التكاسر) بدل ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ [سورة التكاثر، الآية 1].
اللحن الخفيُّ: هو خطأ يعرضُ للفظ فيُخلّ بكمالِ صفاته دون أن يُخرجه عن حيزه كالتلاوة دون مراعاة أحكام التجويد المعروفة، مثل: ﴿وَجَاء رَبُّكَ...﴾ [سورة الفجر، الآية 22] كترك زيادة المدّ في الألف.
﴿يُدْخِلُ مَن يَشَاء﴾ [سورة الشورى، الآية 8] كإظهار النون وعدم إدغامها مع الياء. ولا بدّ أن تكون التلاوة سالمة من كلا اللحنين.
سُرعات التلاوة
لتلاوة القرآن الكريم ثلاث سُرعات، هي:
أوّلاً - التحقيق:
وهو مصدر، من حقّقت الشيء تحقيقاً إذا بلغت يقينه، ومعناه المبالغة في الإتيان بالشيء على حقيقته دون زيادة أو نقصان وهو البطء في التلاوة من غير تمطيط وهي: إعطاء كل حرف حقّه ومستحقّه من إشباع المدود وإتمام الحركات وتوفية الغنّات وإخراج الحروف بعضها من بعض.
ثانياً - الحدر:
وهو مصدر من حدَر، إذا أسرع، والحدور يعني الهبوط. والتلاوة حَدْراً هو السرعة في التلاوة من غير دمجٍ للحروف.
ثالثاً - التدوير:
هو التوسّط في سرعة التلاوة، والسُرعات الثلاث يعمّها مصطلح الترتيل، لأن الترتيل كما فسّره أمير المؤمنين عليه السلام هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف، ولا غنى لقارئ القرآن عنه مهما كانت سُرعة تلاوته.
قال ابن الجزري:
ويُقرأالقرآن بالتحقيق مع حَدْرٍ وتدويرٍ، وكلٌّ متبع
أسئلة الدرس
1- ما هو تعريف التجويد؟ لغة واصطلاحاً؟
2- ما هي أهمية علم التجويد؟ وما الغاية منه؟
3- ما هي سُرعات التلاوة؟ وتحدّث عن التدوير؟
للمطالعة
أساليب غير صحيحة في القراءة
هناك أساليب غير صحيحة في قراءة القرآن الكريم قد يصل بعضها لدرجة الحرمة، نسمّيها ونصفها لتجنّبها، ومنها:
أ- التطريب: وهو أن يتتبّع القارىء صوته فيخلّ بأحكام التجويد وأصوله.
ب- الترجيع: وهو تمويج الصوت أثناء القراءة، وخاصة في المد (أو هو رفع الصوت ثم خفضه وإعادة الرفع والخفض - في المد الواحد - مرات).
ج- الترقيص: هو أن يزيد القارىء حركات بحيث كالراقص يتكسّر، أو هو يروم السكت على الساكن ثم ينفر عنه إلى الحركة في عدو وهرولة.
د- التحزين: هو أن يترك القارىء طبعه وعادته بالتلاوة على وجه آخر كأنّه حزين يكاد يبكي من خشوع وخضوع بقصد الرّياء والسمعة، أما إذا أتى القارىء بالتلاوة بنغمة حزينة في خشوع وتدبّر ومحافظة على الأحكام والأصول فهذا جائز ليس بممنوع.
رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "أما الليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن، يرتّلونه ترتيلاً، يحزّنون به أنفسهم..." [نهج البلاغة، ص304].
وقد أشار الإمام الصادق عليه السلام في حديث آخر، إلى أنّ حُسن قراءة القرآن وتلاوته أن يكون معها "... اللين والرقّة والدمعة والوجل".[الكافي، ج2، ص617]
ولكن حزن ووجل روحي باطني ينبغي أن لا تظهر آثاره على الوجه والملامح، ليكون وصف القارىء في قول أمير المؤمنين عليه السلام: "العارفُ وجهُهُ مستبشرٌ وقلبه وجِلٌ محزون". [الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص60]
هـ- الترعيد: هو أن يأتي القارىء بصوت كأنه يرعد من شدة برد أو ألم أصابه.
و- التحريف: هو أن يجتمع أكثر من قارىء ويقرؤون بصوت واحد فيقطعون القراءة ويأتي بعضهم ببعض الكلمة وببعضها الآخر ليحافظوا على الأصوات ولا ينظرون إلى ما يترتب على هذا من إخلال بالثواب فضلاً عن الإخلال بتعظيم كلام الجبّار.
ز- التلاوة مع الآلات الموسيقية: هي من أقبح أساليب تلاوة القرآن الكريم.