دروس صدى الآيات
دروس صدى الآيات
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة، سيّدنا ومولانا خاتم الأنبياء محمّد وعلى آله الأصفياء أدلّة الأرض والسماء.
نضع بين أياديكم الكريمة كتاباً يضمّ بين دفّتيه اثني عشر درساً، تهدف إلى استنطاق آيات القرآن الكريم، وبيان كيفيّة تمثُّل مضامينها في السلوك الإنسانيّ. ولذا كان الاسم "صدى الآيات"، على أن يترك هذا الكتاب صداه ويحقّق أهدافه المرجوّة؛ بلحاظ استجابته للحاجات الثقافيّة للمؤمنين والمؤمنات.
ونحن، إذ نعد بالاستمرار في هذا الطريق، ندعو المهتمّين إلى أن لا يبخلوا علينا بملاحظاتهم ونصائحهم، علّنا نصل وإيّاهم إلى الأهداف المثلى. وإن بلغت هذه الصفحات غايتها، فليس بمجهودنا ولا منّة لنا، وإنّما بتوفيق الله تعالى وعونه؛ وهو من وراء القصد.
مركز نون للتأليف والترجمة
1- كيف أدعو الله؟
قال تعالى:
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾1.
العناوين الرئيسة:
• في كنف الآية
• شروط استجابة الدعاء
• أهل استجابة الدعاء
في كنف الآية
روي أنّه سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله سبحانه؛ قريب ربّنا فنناجيه، أم بعيد ليدعوه بصوت مرتفع؟ فنزلت الآية2؛ لتبيّن قرب الله تعالى المعنويّ من عباده.
إنّ الدعاء من أفضل العبادات؛ وهو نوع من الخضوع والطاعة، يزداد الإنسان من خلاله ارتباطاً بالله تعالى، وله آثار تربويّة جمّة؛ نفسيّة واجتماعيّة. بحيث يُسهم بقوّة في بناء الإنسان المؤمن، وصناعة شخصيّته الروحيّة، ويُشكّل سلاحه ومفتاح نجاحه، ومخّ العبادة؛ كما جاء عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومخّ كلّ شيء:
خالصه، والدعاء كذلك؛ لأنّه أصل العبادة وخالصها؛ لما فيه من امتثال أمر الله سبحانه، وقطع الأمل عمّا سواه، واللجوء إليه، والاعتماد عليه. وفي حديث آخر مرويّ عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "الدعاء: سلاح المؤمن، وعمود الدين، ونور السماوات والأرض"3. وتوجد منزلة عند الله عزّ وجلّ لا تُنال إلّا بالدعاء والمسألة، كما توجد منزلة لا تُنال إلّا بالشهادة، يقول الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ عند الله عزّ وجلّ منزلة لا تُنال إلّا بمسألةٍ"، ونحن حينما ندعو فإنّا نصل أنفسنا بقوّة لا متناهية تربط جميع الكائنات بعضها بالبعض الآخر، وقد وعدنا الله تعالى بالإجابة إذا دعوناه، غير أنّنا كثيراً ما نبادر إلى ارتكاب بعض الآثام والخطايا التي تشكّل موانع تحجزنا عن نيل استحقاق الإجابة فنحرم من الخير الكثير؛ بما قدّمت أيدينا. فما هي هذه الموانع؟
ويتّضح الجواب من خلال ذكر شروط استجابة الدعاء الّتي تكشف لنا كثيراً من الحقائق الغامضة، وتبيّن الآثار البنّاءة للدعاء.
شروط استجابة الدعاء
هي كثيرة؛ لأنّها ترجع إلى حالات الداعي أو الدعاء، أو المكان، أو الزمان، أو غير ذلك.
الشرط الأوّل: معرفة الربّ (المدعوّ):
روي عن الإمام الكاظم عليه السلام: "قال قوم للصادق عليه السلام: ندعو فلا يُستجاب لنا؟
قال عليه السلام: لأنّكم تدعون من لا تعرفونه"4.
الشرط الثاني: الإقبال بالقلب:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساهٍ، فإذا دعوت؛ فأقبل بقلبك، ثمّ استيقن بالإجابة"5.
الشرط الثالث: حسن الظنّ بالله تعالى بالإجابة:
روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة"6، وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا دعوت فظنّ أنّ حاجتك بالباب"7.
الشرط الرابع: حصر الرجاء بالله تعالى:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه شيئاً إلّا أعطاه، فلييأس من الناس كلّهم ولا يكون له رجاء إلّا عند الله، فإذا علم الله عزّ وجلّ ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئاً إلّا أعطاه"8.
الشرط الخامس: الثناء والتمجيد قبل الدعاء:
ويُستفاد ذلك من الأدعية المرويّة عن المعصومين عليهم السلام ، وخصوصاً أدعية الصحيفة السجّاديّة على صاحبها آلاف السلام.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إيّاكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربّه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة؛ حتّى يبدأ بالثناء على الله عزّ وجلّ، والمدح له، والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ يسأل الله حوائجه"9.
الشرط السادس: الصلاة على النبيّ وآله قبل الدعاء وبعده:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يزال الدعاء محجوباً؛ حتّى يصلّي على محمّد وآل محمّد"10.
الشرط السابع: الإقرار بالذنب والاستغفار منه قبل الدعاء:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّما هي المِدْحًة، ثمّ الثناء، ثمّ الإقرار بالذنب، ثمّ المسألة؛ إنّه والله ما خرج عبد من ذنب إلّا بالإقرار"11.
الشرط الثامن: التعميم في الدعاء:
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا دعا أحدكم فليُعمَّ؛ فإنّه أوجب للدعاء"12. والمراد منه: أن يُشمل الآخرين بدعائه، ولا يقتصر على نفسه.
الشرط التاسع: ترك التعجيل المؤدّي إلى اليأس:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يزال المؤمن بخير ورجاء؛ رحمة من الله عزّ وجلّ؛ ما لم يستعجل؛ فيقنط ويترك الدعاء، قلت له: كيف يستعجل؟ قال: يقول: قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة"13.
الشرط العاشر: ترك الظلم:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: " قال الله عزّ وجلّ: وعزّتي وجلالي، لا أجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظُلمِها؛ ولأحدٍ عنده مثلُ تلك المظلمة"14.
وغيرها شروط كثيرة عدّها البعض عشرين شرطاً، لم نذكرها هنا مراعاةً لعدم الإطالة، يمكن مراجعتها من مصادرها.
أهل استجابة الدعاء
إنّ هناك أصنافاً من الخلق يحملون مواصفات تؤهّلهم لأن لا يردّ الله عزّ وجلّ دعاءهم ويستجيب لهم؛ كلّما دعوه مخلصين مسلّمين له، ومن هؤلاء:
1- الإمام المقسط الّذي يحكم بما أنزل الله تعالى.
2- المظلوم الّذي سُلِب حقَّه.
3- الولد الصالح لوالديه.
4- الوالد الصالح لولده.
5- المؤمِّن لأخيه بظهر الغيب15.
6- الغازي في سبيل الله.
7- المريض الّذي يكابد الآلام16.
8- المعتمر حتّى يرجع.
9- الصائم حتّى يفطر17.
10- الغائب حين يدعو لغائب مثله18.
11- الطفل إذا لم يقارف الذنوب، حيث روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "دعاء أطفال أمّتي مستجاب ما لم يقاربوا الذنوب"19.
12- المتختّم بالفيروزج، فعن مولانا الإمام الصادق عليه السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله سبحانه: إنّي لأستحي من عبد يرفع يده وفيها خاتم فيروز ج؛ فأردّها خائبة"20.
خلاصة الدرس
أ - الدعاء من أفضل العبادات وهو يُسهم بقوّة في البناء الروحيّ للإنسان ودوام اتّصاله بخالقه سبحانه وهو سلاح المؤمن ومفتاح نجاحه.
ب - الاستجابة مرهونة بشرائط عديدة تعود في بعض الأحيان إلى نفس الداعي، أو إلى الدعاء، أو إلى الزمان، أو المكان أو غير ذلك.
ج - هناك طائفة من الناس لا يردّ الله دعاءهم؛ وذلك لكونهم يحملون مواصفات جعلتهم في هذه المنزلة؛ كالمظلوم، والصائم، وغيرهما.
-----المصادر-----
1- البقرة: 186.
2- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان، تحقيق وتعليق لجنة من العلماء والمحققين، ط1، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1415 هـ.ق /1995م، ج2، ص18.
3- الكليني، محمد بن يعقوب:الكافي، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، ط4، طهران، دار الكتب الإسلامية، مطبعة حيدري، 1365 هـ.ش، ج2، كتاب الدعاء، باب أنّ الدعاء سلاح المؤمن، ج1، ص 468.
4- ابن بابوية، محمد بن علي بن الحسين(الصدوق): التوحيد، تحقيق وتعليق هاشم الحسيني الطهراني ، لاط ، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسّة ، لات، باب أدلّة توحيد الصانع، ج7، ص288 - 289.
5- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الدعاء، باب الإقبال على الدعاء، ج1، ص473.
6- العلّي، ابن فهد: عدّة الداعي ونجاح المساعي، تصحيح أحمد الموحدي القمي، لاط، قم المقدّسة، مكتبة وجداني، لات، ص132.
7- الكليني، الكافي، م.س ج2، كتاب الدعاء، باب اليقين في الدعاء، ج1، ص473.
8- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الاستغناء عن الناس، ج2، ص 148.
9- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الثناء قبل الدعاء، ج1، ص484.
10- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الدعاء، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام ، ج1، ص 491.
11- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الاعتراف بالذنوب والندم عليها، ج4، ص427.
12- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الدعاء، باب العموم في الدعاء، ج1، ص 487.
13- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الدعاء، باب من أبطأت عليه الإجابة ، ج8، ص490.
14- ابن بابوية، محمد بن علي بن الحسين:ثواب الأعمال، تقديم محمد مهدي الخرسان ، ط2، قم المقدّسة، منشورات الشريف الرضي، مطبعة أمير، 1368ه.ش، باب عقاب من ظلم، ص272.
15- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الدعاء، باب من تستجاب دعوته، ج2، ص509.
16- أنظر:الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الدعاء، باب من تستجاب دعوته، ج1، ص509.
17- الكليني، الكافي، م.س، كتاب الدعاء، باب من تستجاب دعوته، ج6، ص510.
18- أنظر:الكليني، الكافي، م.س، كتاب الدعاء، باب من تستجاب دعوته، ج7، ص510.
19- صحيفة الإمام الرضا عليه السلام:تحقيق مؤسّسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ، إشراف محمد باقر الموحّد الأصفهاني، لاط ، قم المقدّسة، مؤسّسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ، مطبعة أمير 1408هـ.ق/ 1366هـ.ش ، ج69، ص113.
20- المجلسي، محمد باقر:بحار الأنوار، تحقيق إبراهيم الميانجي، محمد باقر البهبودي، ط2، بيروت، مؤسّسة الوفاء ، 1403هـ.ق/1983 هـ.ش ، ج90، باب 17، ج32، ص321.
قد أُجيبت الدعوة
نُقل أنّ رجلاً رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامه؛ وهو يقول: امضِ إلى فلان المجوسيّ، وقل له: قد أُجيبت الدعوة، فامتنع الرجل من تبليغ الرسالة لئلّا يظنّ المجوسيّ أنّه يتعرّض له، وكان الرجل في دنيا واسعة، فرأى الرجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثانياً وثالثاً، فأصبح، فأتى المجوسيّ وقال له في خلوة من الناس: أتى رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليك وهو يقول لك: قد أُجيبت الدعوة، فقال له: أتعرفني؟ قال: نعم. قال: فإنّي أُنكر دين الإسلام ونبوّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال: أنا أعرف هذا وهو الّذي أرسلني إليك مرّة ومرّة ومرّة
فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعا أهله وأصحابه... ثمّ قال لي: أتدري ما الدعوة؟ فقلت: لا والله، وإنّي أريد أن أسألك الساعة. فقال: لمّا زوّجت ابنتي صنعت طعاماً، ودعوت الناس؛ فأجابوا؛ وكان إلى جانبنا قوم أشراف فقراء لا مال لهم، فأمرت غلماني أن يبسطوا لي حصيراً في وسط الدار، فسمعت صبيّة لهم تقول لأمّها: يا أُمّاه لقد آذانا هذا المجوسيّ برائحة طعامه. قال: فأرسلت إليهنّ بطعام كثير، وكسوة ودنانير للجميع، فلمّا نظروا إلى ذلك، قالت الصبيّة للباقيات: والله ما نأكل حتّى ندعو له، فرفعن أيديهنّ وقلن: حشرك الله مع جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمّن بعضهن؛ فتلك الدعوة الّتي أُجيبت
---------------
المجلسي، بحار الأنوار، م.س، ج42، باب15، ح12، ص14