فاتحة الكتاب .. اسم اتخذته هذه السورة في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما يبدو من الأخبار والأحاديث المنقولة عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)
وهذه المسألة تفتح نافذة على مسألة مهمة من المسائل الإسلامية، وتلقي الضوء على قضية جمع القرآن، وتوضح أن القرآن جمع بالشكل الذي عليه الآن في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، خلافا لما قيل بشأن جمع القرآن في عصر الخلفاء، فسورة الحمد ليست أول سورة في ترتيب النزول حتى تسمى بهذا الاسم ولا يوجد دليل آخر لذلك، وتسميتها بفاتحة الكتاب يرشدنا إلى أن القرآن قد جمع في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الترتيب الذي هو عليه الآن
وثمة أدلة أخرى تؤيد حقيقة جمع القرآن بالترتيب الذي بأيدينا اليوم في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبأمره
روى علي بن إبراهيم، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام)
" يا علي، إن القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس، فخذوه وأجمعوه ولا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة، وانطلق علي (عليه السلام) فجمعه في ثوب أصفر، ثم ختم عليه " [تفسير الأمثل ج1 ص 23، تاريخ القرآن، أبو عبد الله الزنجاني، ص 44. ]
ويروي (الخوارزمي) في المناقب عن (علي بن رباح) أن علي بن أبي طالب وأبي بن كعب جمعا القرآن في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وروى (الحاكم) في (المستدرك) عن (زيد بن ثابت) قال: " كنا نؤلف القرآن من الرقاع "
ويقول العالم الجليل السيد المرتضى (رحمه الله): " إن القرآن كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن " [تفسير الأمثل ج1 ص 23،منتخب كنز العمال، ج 2، ص 52]
ويروي الطبراني وابن عساكر عن الشعبي أن القرآن جمعه ستة من الأنصار في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) [تفسير الأمثل ج1 ص 23،مجمع البيان، ج 1، ص 15]
ويروي قتادة أنه سأل أنس عن جمع القرآن في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال
أربعة من الأنصار هم: أبي بن كعب، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد [صحيح البخاري، ج 6، ص 102 ] وهناك روايات أخرى يطول ذكرها
على أي حال، اتخاذ سورة الحمد اسم (فاتحة الكتاب) دليل واضح على إثبات هذه المسألة، إضافة إلى الأدلة الأخرى المستفيضة في مصادر الشيعة والسنة ءوأسباب نزول الآيات، وما شابه ذلك مما يحتاجه الفرد لفهم كلام الله العزيز
وأما ما فعله عثمان في هذا الصدد، فتدل القرائن أنه أقدم على كتابة قرآن واحد عليه علامات التلاوة والإعجام، منعا للاختلاف في القراءات، إذ لم يكن التنقيط معمولا به حتى ذلك الوقت وما نراه من إصرار لدى جماعة على عدم جمع القرآن في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى نسبة هذا الأمر للخليفة عثمان أو للخليفة الأول أو الثاني، فإنما يعود إلى ظروف وملابسات وعصبيات تأريخية لسنا بصددها الآن وإذا رجعنا إلى استقصاء طبيعة الأشياء في مجال جمع القرآن، ألفينا أنه من غير المعقول أن يترك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه المهمة الكبيرة، بينما نجده يهتم بدقائق الأمور المرتبطة بالرسالة
أليس القرآن دستور الإسلام، وكتاب هداية البشرية، وأساس عقائد الإسلام وأحكامه؟
أليس من الممكن أن يتعرض القرآن - إن لم يجمع - في عصر الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الضياع، وإلى الاختلاف فيه بين المسلمين؟!
(حديث الثقلين) المروي في المصادر الشيعية والسنية، حيث أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بوديعته: كتاب الله وعترته، يؤكد أيضا أن القرآن كان قد جمع في مجموعة واحدة في عصر الرسول الأعظم
أما اختلاف الروايات في عدد الصحابة الذين جمعوا القرآن خلال عصر النبي فلا يشكل عقبة في البحث، ومن الممكن أن تتجه كل رواية إلى ذكر عدد منهم
كل واحدة من الآيات السبع في هذه السورة تشير إلى حقيقة هامة
بسم الله... بداية لكل عمل، وتعلمنا الاستمداد من الباري تعالى لدى البدء بأي عمل
الحمد لله رب العالمين درس في عودة كل نعمة ورعاية إلى الله تعالى، وإلفات إلى حقيقة انطلاق كل هذه المواهب من ذات الله تعالى
الرحمن الرحيم تبين هذه الحقيقة، وهي: إن خلق الله ورعايته وحاكميته تقوم على أساس الرحمة والرحمانية، وهذا المبدأ يشكل المحور الأساس لنظام رعاية العالم
مالك يوم الدين استحضار للمعاد ويوم الجزاء، ولحاكمية الله على تلكالمحكمة الكبرى
إياك نعبد وإياك نستعين تبين التوحيد في العبادة، والتوحيد في الاستعانة بالأسباب
إهدنا الصراط المستقيم توضح حاجة العباد ورغبتهم الشديدة للهداية، وتؤكد حقيقة أن كل ألوان الهداية إنما تصدر منه تعالى
وآخر آية من هذه السورة ترسم معالم الصراط المستقيم وتميز بين صراط الذين أنعم الله عليهم، وصراط الذين ضلوا والذين استحقوا غضب الله عليهم
ويمكن تقسيم هذه السورة، من منظار آخر إلى قسمين: قسم يختص بحمد الله والثناء عليه، وقسم يتضمن حاجات العبد
وإلى هذا التقسيم يشير الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال
" قال الله عز وجل: قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل. إذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم قال الله جل جلاله: بدأ عبدي باسمي وحق علي أن أتمم له أموره وأبارك له في أحواله. فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال الله جل جلاله: حمدني عبدي وعلم أن النعم التي له من عندي، وأن البلايا التي دفعت عنه فبتطولي، أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة، وادفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا. وإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله جل جلاله: شهد لي عبدي أني الرحمن الرحيم، أشهدكم لأوفرن من رحمتي حظه ولأجزلن من عطائي نصيبه. فإذا قال: مالك يوم الدين قال الله تعالى: أشهدكم كما اعترف بأني أنا مالك يوم الدين لأسهلن يوم الحساب حسابه، ولأتقبلن حسناته، ولأتجاوزن عن سيئاته. فإذا قال: إياك نعبد قال الله عز وجل: صدق عبدي، إياي يعبد أشهدكم لأثيبنه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي. فإذا قال: وإياك نستعين قال الله تعالى: بي استعان عبدي، وإلي التجأ، أشهدكم لأعيننه على أمره، ولأغيثنه في شدائده ولآخذن بيده يوم نوائبه. فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة قال الله عز وجل: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل وقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمل وآمنته مما منه وجل " [تفسير الأمثل ج1 ص20 عيون أخبار الرضا، نقلا عن الميزان، ج 1، ص 37]
لهذه السورة مكانة متميزة بين سائر سور القرآن الكريم، وتتميز بالخصائص التالية
تتميّز سورة الحمد بالخصائص التالية
الأول: سياق هذه السورة يُعبّر عن كلام عباد الله، وسياق السور الأخرى يُعبّر عن كلام الله
الثاني: تعبّر السورة عن اتجاه الإسلام في رفض الوسطاء بين الله والإنسان، فهي تعلّم البشر أن يرتبطوا بالله مباشرة دون واسطة
الثالث: تعتبر السورة أساس القرآن، كما رويَ عن رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم: «والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، وهي أمُّ الكتاب»، ولفظ الأم هنا معناه الأساس والجذر
الرابع: تعتبر هذه السورة شرف للنبي صلی الله عليه وآله وسلم، فالقرآن بعظمته يقف إلى جنب سورة الفاتحة؛ لأنّ الله سبحانه يقول: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾، كما جاء عنهصلی الله عليه وآله وسلم: إنّ الله تعالى قال لي يا محمد ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم، فأفرد الامتنان عليَّ بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وإنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش
فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: " ألا أعلمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟ " قال جابر: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله، علمنيها. فعلمه الحمد أم الكتاب، وقال: هي شفاء من كل داء، إلا السام، والسام الموت " [مجمع البيان، ونور الثقلين، مقدمة سورة الحمد]
وروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا أنه قال: " والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة، ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، وهي أم الكتاب " [مجمع البيان، ونور الثقلين، مقدمة سورة الحمد]
سبب أهمية هذه السورة يتضح من محتواها، فهي في الحقيقة عرض لكل محتويات القرآن، جانب منها يختص بالتوحيد وصفات الله، وجانب آخر بالمعاد ويوم القيامة، وقسم منها يتحدث عن الهداية والضلال باعتبارهما علامة التمييز بين المؤمن والكافر وفيها أيضا إشارات إلى حاكمية الله المطلقة، وإلى مقام ربوبيته، ونعمه اللامتناهية العامة والخاصة " الرحمانية والرحيمية "، وإلى مسألة العبادة والعبودية واختصاصهما بذات الله دون سواه
إنها تتضمن في الواقع توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد الأفعال، وتوحيد العبادة
وبعبارة أخرى: تتضمن هذه السورة مراحل الإيمان الثلاث: الاعتقاد بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان. ومن المعلوم أن لفظ " الأم " يعني هنا الأساس والجذر
ولعل ابن عباس ينطلق من هذا الفهم إذ يقول
" إن لكل شئ أساسا... وأساس القرآن الفاتحة "
ومن هذا المنطلق أيضا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما روي عنه: " أيما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الاجر كأنما قرأ ثلثي القرآن، وأعطي من الاجر كأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة " [مجمع البيان، مقدمة سورة الحمد]
تعبير " ثلثي القرآن "، ربما كان إشارة إلى أن القرآن ينطوي على ثلاثة أقسام: الدعوة إلى الله، والإخبار بيوم الحساب، والفرائض والأحكام. وسورة الحمد تتضمن القسمين الأولين. وتعبير " أم القرآن " إشارة إلى القرآن يتلخص من وجهة نظر أخرى في (الإيمان والعمل) وقد جمعا في سورة الحمد
القرآن الكريم يتحدث عن سورة الحمد باعتبارها هبة إلهية لرسوله الكريم، ويقرنها بكل القرآن إذ يقول : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم
فالقرآن بعظمته يقف هنا إلى جنب سورة الحمد، ولأهمية هذه السورة أيضا أنها نزلت مرتين
نفس هذا المضمون رواه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " إن الله تعالى قال لي يا محمد ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم، فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وإن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش... " [تفسير الامثل ج1 ص19 ،تفسير البرهان، ج 1، ص 26، نقلا عن تفسير البيان]
قراءتها وأهميتهاالتأكيد على تلاوة هذه السورة في المصادر الشيعية والسنية، فتلاوتها تبعث الروح والإيمان والصفاء في النفوس، وتقرّب العبد من الله، وتقوّي إرادته، وتزيد اندفاعه نحو تقديم المزيد من العطاء في سبيل الله، وتبعده عن ارتكاب الذنوب والانحرافات، ولذلك ورد عن الأئمةعليهم السلام أنّ أمُّ الكتاب صاعقة على رأس إبليس، وعنهم عليهم السلام: «إنّ اسم الله الأعظم مقطّع في أمّ الكتاب»، وروي عنهم أيضاً: «أنّ جميع أسرار الكتب السماويّة في القرآن، وجميع ما في القرآن في الفاتحة، وجميع ما في الفاتحة في البسملة، وجميع ما في البسملة في باء البسملة، وجميع ما في باء البسملة في النقطة التي هي تحت الباء، وقال الإمام علي عليه السلام: أنا النقطة التي تحت الباء»
تلاوة (إياك نعبد وإياك نستعين)
تقرأ سورة الحمد، في صلاة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه. وهي ركعتان، إلّا أنه إذا وصل إلى ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ كرّرها مائة مرة، ثم قرأ الحمد إلى آخرها، وإذا فرغ من الصلاة هلّل، ثم سبّح تسبيح الزهراءعليها السلام، ثمّ سجد وصلّى على محمّد وآله مائة مرّة، ورويَ عن الأئمةعليهم السلام: «من صلّاها فكأنّما صلاها في البيت العتيق»
سورة الفاتحة، من السور المكية، وقيل: إنها نزلت مرتين، مرةً في مكة ومرةً في المدينة، ومن حيث الترتيب نزلت على النبي (ص) بالتسلسل (5)، لكن تسلسلها في المصحف الموجود حالياً في الجزء الأول بالتسلسل (1) من سور القرآن
إنَّ البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة عدا سورة براءة ووجوب الإتيان بها، وبطلان الصلاة بتعمد تركها
وجوب قراءة فاتحة الكتاب في الثنائية وفي الأوليتين من الصلاة
عدم جواز التأمين (قول آمين) في آخر الحمد، واستحباب قول المأموم في الصلاة وغيره: الحمد لله رب العالمين
من لا يحسن قراءة الفاتحة في الصلاة، يجب عليه التعلّم
لو أخلَّ بشيء عمداً من كلمات الفاتحة أو حروفها أو بدّل حرف بحرف في الصلاة بطلت
أهم المعاني لمفردات السورة:
(يَوْمِ الدِّينِ): يوم الجزاء، وهو يوم القيامة.
(الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ): الطريق الذي لا اعوجاج فيه.
(الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ): الغضب لغة الشِدة، ورجل غضوب: شديد الخُلُق، وغضب الله: عقوبته.
(الضَّالِّينَ): من الضلال، وقيل: أصله الهلاك، والمراد هنا: الذهاب عن سنن القصد وطريق الحق.
فضيلتها وخواصها
وردت فضائل كثيرة في قراءتها، منها:
عن النبي صلی الله عليه وآله وسلم: «أيما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أُعطيَ من الأجر كأنما قرأ ثلثي القرآن، وأُعطيَ من الأجر كأنما تصدّق على كل مؤمن ومؤمنة».[الطبرسي، مجمع البيان، ج 1، ص 27]
عن الإمام الصادق عليه السلام: «رنَّ (صاح) إبليس أربع رَنات أولهنَّ يوم لُعنَ، وحين أُهبطَ إلى الأرض، وحين بُعث محمدصلی الله عليه وآله وسلم على حين فترة من الرُسُل، وحين أُنزلت أمُّ الكتاب». [الحويزي، نور الثقلين، ج 1، ص 18]
وردت خواص لهذه السورة في بعض الروايات، منها:
عن الإمام الصادق عليه السلام: «لو قٌرئت الحمد على ميت سبعين مرة ثمّ ردّت فيه الروح ما كان ذلك عجباً». [البحراني، تفسیر البرهان، ج 1، ص 80]