سورة آل عمران، هي السورة الثالثة ضمن الجزء (3 و4) من القرآن الكريم، وهي من السور المدنية، واسمها مأخوذ من قصة آل عمران التي تبدأ من الآية (33). تتحدث السورة عن مسألة
التوحيد-
وصفات اللّه-
والمعاد-
وعن مسألة الجهاد وأحكامه-
والتطرق إلى غزوتي بدر وأحد-
كما تتحدث عن
سلسلة من الأحكام الإسلامية، كفريضة الحجّ وبيت اللّه الحرام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتولّي والتبرّي والأمانة والإنفاق في سبيل اللّه وترك الكذب
كما تحدثت أيضاً عن
تاريخ الأنبياءعليهم السلام ومنهم: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وقصة مريم عليهم السلام وكرامتها ومنزلتها عند اللّه
من آياتها المشهورة
قوله تعالى
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ
وقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلاَمُ
وقوله تعالى
...تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ...
وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾. ورد في فضل قراءتها روايات كثيرة، منها: إنّ من قرأ منها شيئاً أعطاه الله بكل حرف أماناً من حر جهنم
سُميت هذه السورة بـــ (آل عمران)؛ لورود قصة آل عمران وما فيها من عِبر، حيث كانت ولادة مريمعليها السلام وما جرى لها، وولادتها للمسيحعليه السلام، وتبدأ قصتها من الآية (33)،[١] ولها أسماء عديدة، منها: تسمى هي وسورة البقرة بالزهراوين، والأمان، والكنز، والمعينة، والمجادلة، والاستغفار،[٢] وتُعتبر من السور الطوال، سميت طوالاً لطولها على سائر السور، وهي: سورة البقرة وآل عمران والنساء والأعراف والمائدة والأنعام ويونس،[٣] وقيل: سابعها سورة براءة.
[١] مناقب آل أبي طالب، قم - إيران، الناشر: علامه، ط 1، 1379 هـ.
[٢] البداية والنهاية، بيروت - لبنان، الناشر: مكتبة المعارف، 1966 م.
[٣] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، بيروت - لبنان
يتلخص محتوى السورة في عدة مواضيع، وهي
أولاً- مسألة التوحيد وصفات اللّه والمعاد والمعارف الإسلامية الأخرى
ثانياً- مسألة الجهاد وأحكامه المهمّة والدقيقة، وكذلك الدروس المستفادة من غزوتي بدر وأحد، وبيان الإمداد الإلهي للمؤمنين، والحياة الخالدة الأخرويّة للشهداء في سبيل اللّه
ثالثاً- ذكر سلسلة من الأحكام الإسلامية في ضرورة وحدة صفوف المسلمين وفريضة الحجّ وبيت اللّه الحرام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتولّي والتبرّي ومسألة الأمانة والإنفاق في سبيل اللّه وترك الكذب وضرورة الاستقامة والصبر في مقابل الأعداء والمشكلات والامتحانات الإلهيّة المختلفة وذكر اللّه على كلّ حال
رابعاً- تاريخ الأنبياء عليهم السلام ومنهم: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الأنبياء وقصة مريم عليهم السلام وكرامتها ومنزلتها عند اللّه، وكذلك المؤامرات التي كان يحوكها أتباع اليهوديّة والمسيحيّة ضدّ الإسلام والمسلمين.[ الأمثل، ج 3، ص 375 - 376 ]
سورة آل عمران، من السور المدنية،[تفسير التبيان، ج 4، ص 3 ] ومن حيث الترتيب نزلت على النبي (ص) بالتسلسل (89)، لكن تسلسلها في المصحف الموجود حالياً في الجزء (3 و 4) بالتسلسل (3) من سور القرآن.[التمهيد في علوم القرآن، ج 1، ص 170 ] آياتها (200)، تتألف من (3508) كلمة في (14984) حرف.[موسوعة القرآن والبحوث، ج 2، ص 1236]
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾،[سورة آل عمران:7] وقد ذكر العلماء عدة أسباب لورود هذه الآيات في القرآن الكريم، ومنهم الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره الأمثل، وهي:
بسبب قصور اللغة التي يستعملها الإنسان لبيان الحقائق الدينية التي لا ترتبط بعالم المادة كقوله تعالى: ﴿يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾[سورة الفتح:10] لأن اللغة البشرية تستعمل لسد حاجة الإنسان في عالم المادة في الدنيا، وإنَّ كثيرا من الحقائق تختص بالعالم الآخر أو بعالم ما وراء الطبيعة ممّا هو بعيد عن أفق تفكيرنا القاصر كأحداث يوم القيامة، فعندما يذكرها القرآن الكريم يصبح لدينا التشابه في هذه الآيات، أو من أجل إثارة الحركة في الأفكار والعقول وإيجاد نهضة فكرية بين الناس، وكذلك أن وجود هذه الآيات في القرآن يصعّد حاجة الناس إلى النبيصلی الله عليه وآله وسلم والأئمةعليهم السلام، وهذا يدعو الناس إلى البحث عنهم عليهم السلام والاعتراف بقيادتهم عمليا والاستفادة من علومهم.[الأمثل، ج 2، ص 400 - 401 ]
قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلاَمُ﴾،[سورة آل عمران:19] قال السيد محمد حسين الطباطبائي: إنَّ معنى الإسلام في هذه الآية هو المعنى اللغوي وهو التسليم للأوامر الصادرة من الله.[الميزان، ج 3، ص 121]
آية المباهلة و المباهلة
قال تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾،[سورة آل عمران:61] أجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت في وفد نصارى نجران لما حاجّوا رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم في عيسى عليه السلام بأنّه أحد الأقانيم الثلاثة، فدعاهم النبي صلی الله عليه وآله وسلم للمباهلة وخرج بأصحاب الكساء، فأحجم النصارى، وامتنعوا عن المباهلة، ولم يقدم سيّدهم على المباهلة، قائلاً: إنّي لأرى رجلاً جريئاً على المباهلة، وأنا أخاف أن يكون صادقاً.[مجمع البيان، ج 2، ص 309 ]
قال الزمخشري في تفسيره لآية المباهلة: إنَّ ضمّ الأبناء والنساء آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له، وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة ... وفي– ذلك - دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام.[الكشاف، ج 1، صص 369 - 370 ]
آية الشهداء
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾،[سورة آل عمران:169] جاءت هذه الآية لتُذّكر بمكانة الشهداء عند الله عز وجل.png، والمقصود من حياة الشهداء في الآية هي الحياة البرزخية في عالم ما بعد الموت لا الحياة الجسمانية والمادية وأن حياتهم البرزخية تتميز عن غيرهم بالنعم والمواهب العظيمة و كأن حياة الآخرين من البرزخيين بما فيها لا تكاد تكون شيئا يذكر بالنسبة إليها.[الأمثل، ج 3، صص 779 - 780 ]
أهم المعاني لمفردات السورة:
(كَدَأبِ): الشأن والعادة.
(الْقَنَاطِيرِ): جمع قنطار، وهو المال الكثير.
(الأَكمَهَ): الذي يولد أعمى.
(الأَسبَاطِ): جمع سبط، وهو ولد الولد.
(يَأْلُونَكُمْ): لا يقصرون في أمركم.
(خَبَالاً): الفساد والنقصان، ومنه رجل مخبول: إذا كان ناقص العقل.
[ الواضح في التفسير، ج 3، ص 23 - 232 ]
الأحداث التاريخية
المباهلة، غزوة بدر، و غزوة أحد
لقد ذكرت سورة آل عمران بعض الأحداث التاريخية الإسلامية، ومنها
حادثة المباهلة
أشارت الآية 61 من سورة آل عمران إلى حادثة المباهلة التي جرت بين النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم ونصارى نجران يوم 24 من شهر ذي الحجّة سنة 9 هـ.[مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 370 ]
غزوة بدر
تحدثت الآيات 123 إلى 126 من سورة آل عمران عن غزوة بدر ومساعدة الملائكة للمسلمين والتي وقعت في اليوم 17 من شهر رمضان سنة 2 هـ في منطقة بدر، والتي انتهت باستشهاد 14 شخصا من المسلمين (6 شهداء من المهاجرين و8 من الأنصار) ومصرع 70 شخصا من المشركين إضافة إلى أسر 70 آخرين، [كتاب المغازي، ج 1، صص 145 - 152 ] ويُذكر أن 21 شخصا من قتلى قريش قُتلوا علي يد الإمام علي (ع).[الصحيح من السيرة النبي الأعظم، ج 5،ص 60 ]
غزوة أحد
ذكرت بعض الآيات الكريمة في سورة آل عمران وهي الآية 121 - 122 وكذلك 152 إلى 154 والآيات 166 إلى 168 و172، والتي وقعت يوم السبت لسبع ليالٍ خلت من شهر شوال، وقيل لإحدى عشرة ليلة مضت من شهر شوال في السنة الثالثة للهجرة النبوية الشريفة على رأي أكثر المؤرخين.[ البداية والنهاية، ج 4، ص 9]
والتي انتهت بفرار المسلمين بعد التفاف جيوش المشركين على المسلمين واستشهاد حمزة بن عبد المطلب عليه السلام وتركهم للنبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم فبقى معه أمير المؤمنين علي عليه السلام ليدافع عنه،[الطبرسي، إعلام الورى، ص 107] لقد بلغ الناس الذين هربوا من المعركة واستقروا على الجبل، أن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم قد قُتِل، فحاول بعض المنافقين التأثير عليهم للعودة إلى دين الكفر، وبعضهم حاول إقناعهم بالاستسلام وأخذ الأمان لقريش،[بحار الأنوار، ج 20، ص 27 ] قد بلغ عدد شهداء غزوة أحد من المسلمين سبعين شهيداً، أربعة من المهاجرين، والباقي من الأنصار.[الواقدي، المغازي، ج 1، ص 300 ]
وردت فضائل كثيرة في قراءتها، منها: أنّ من قرأها جاءت تظله يوم القيامة كالسحابة على رأسه،[ تفسير الصافي، ج 1، ص 314 ] وأنّ من قرأ منها شيئا أعطاه الله بكل حرف أماناً من حر جهنم،[البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص 593 ] وأنها إن كُتبت بزعفران وعلُقت على امرأة تريد الحمل حملت بإذن الله تعالى،[تفسير البيان الصافي لكلام الله الوافي، ج 5، ص 306 ] وغيرها من الأحاديث الشريفة.